وصية مداوي الكلوم (روح ملائكي علوي والكلوم هي الجراح) ومعها اللقاء التاريخي بين ابن عربي وابن رشد
يقول الشيخ محي الدين رضى الله عنه في الفتوحات المكية:
"...فأخبرني الروح الذي أخذت منه ما أودعته في هذا الكتاب أنه جمع أصحابه يوماً في دسكرة (مجلس في أرض مستوية) وقام فيهم خطيباً وكانت عليه مهابة، فقال: افهموا عني ما أرمزه لكم في مقامي هذا، وفكروا فيه واستخرجوا كنزه واتساع زمانه في أيّ عالم هو، وإني لكم ناصح وما كل ما يدرى يذاع، فإنه لكل علم أهل يختص بهم وما يتمكن الانفراد ولا يسع الوقت فلابدّ أن يكون في الجمع فطر مختلفة، وأذهان غير مؤتلفة، والمقصود من الجماعة واحد إياه أقصد بكلامي، وبيده مفتاح رمزي، ولكل مقام مقال ولكل علم رجال ولكل وارد حال، فافهموا عني ما أقول وعوا ما تسمعون، فبنور النور أقسمت، وبروح الحياة وحياة الروح آليت إني عنكم لمنقلب من حيث جئت، وراجع إلى الأصل الذي عنه وجدت، فقد طال مكثي في هذه الظلمة وضاقت نفسي بترادف هذه الغمة، وإني سألت الرحلة عنكم وقد أذن لي في الرحيل، فاثبتوا على كلامي فتعقلون ما أقول بعد انقضاء سنين عينها، وذكر عددها، فلا تبرحوا حتى آتيكم بعد هذه المدّة، وإن برحتم فلتسرعوا إلى هذا المجلس الكرّة، وإن لطف مغناه وغلب على الحرف معناه، فالحقيقة الحقيقة والطريقة الطريقة، فقد اشتركت الجنة والدنيا في اللبن والبناء، وإن كانت الواحدة من طين وتبن والأخرى من عسجد ولجين، هذا ما كان من وصيته لبنيه وهذه مسئلة عظيمة رمزها وراح فمن عرفها استراح.
ولقد دخلت يوماً بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد، وكان يرغب في لقائي لما سمع وبلغه ما فتح الله به علي في خلوتي، فكان يظهر التعجب مما سمع، فبعثني والدي إليه في حاجة قصداً منه حتى يجتمع بي، فإنه كان من أصدقائه وأنا صبي ما بقل وجهي ولا طر شاربي (لم ينبت الشعر في وجهه بعد أي أن عمره ما بين 14 و 18 سنة) فعندما دخلت عليه قام من مكانه إليّ محبة وإعظاماً فعانقني وقال لي: نعم؟ قلت له: نعم. فزاد فرحه بي لفهمي عنه، ثم إني استشعرت بما أفرحه من ذلك فقلت له: لا. فانقبض وتغير لونه وشك فيما عنده، وقال: كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهيّ هل هو ما أعطاه لنا النظر؟ قلت له: نعم، لا، وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادّها والأعناق من أجسادها، فاصفرّ لونه وأخذه الأفكل (الرعشة) وقعد يحوقل (يقول: لا حولة ولا قوة الاّ بالله) وعرف ما أشرت به إليه وهو عين هذه المسئلة التي ذكرها هذا القطب الإمام أعني مداوي الكلوم، وطلب بعد ذلك من أبي الاجتماع بنا ليعرض ما عنده علينا هل هو يوافق أو يخالف، فإنه كان من أرباب الفكر والنظر العقلي، فشكر الله تعالى، فقد كان في زمان رأى فيه من دخل خلوته جاهلاً وخرج مثل هذا الخروج من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة، وقال: هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أرباباً، فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغالق أبوابها، والحمد لله الذي خصني برؤيته، ثم أردت الاجتماع به مرة ثانية فأقيم لي رحمه الله في الواقعة (المنام) في صورة ضرب بيني وبينه فيها حجاب رقيق أنظر إليه منه ولا يبصرني ولا يعرف مكاني وقد شغل بنفسه عني، فقلت إنه غير مراد لما نحن عليه، فما اجتمعت به حتى درج وذلك سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمدينة مراكش، ونقل إلى قرطبة وبها قبره ولما جعل التابوت الذي فيه جسده على الدابة جعلت تواليفه (مؤلفاته) في الجانب الآخر مقابلة له، وفي هذا قلت:
هذا الإمام وهذه أعماله ... يا ليت شعري هل أتت آماله
يقول الشيخ محي الدين رضى الله عنه في الفتوحات المكية:
"...فأخبرني الروح الذي أخذت منه ما أودعته في هذا الكتاب أنه جمع أصحابه يوماً في دسكرة (مجلس في أرض مستوية) وقام فيهم خطيباً وكانت عليه مهابة، فقال: افهموا عني ما أرمزه لكم في مقامي هذا، وفكروا فيه واستخرجوا كنزه واتساع زمانه في أيّ عالم هو، وإني لكم ناصح وما كل ما يدرى يذاع، فإنه لكل علم أهل يختص بهم وما يتمكن الانفراد ولا يسع الوقت فلابدّ أن يكون في الجمع فطر مختلفة، وأذهان غير مؤتلفة، والمقصود من الجماعة واحد إياه أقصد بكلامي، وبيده مفتاح رمزي، ولكل مقام مقال ولكل علم رجال ولكل وارد حال، فافهموا عني ما أقول وعوا ما تسمعون، فبنور النور أقسمت، وبروح الحياة وحياة الروح آليت إني عنكم لمنقلب من حيث جئت، وراجع إلى الأصل الذي عنه وجدت، فقد طال مكثي في هذه الظلمة وضاقت نفسي بترادف هذه الغمة، وإني سألت الرحلة عنكم وقد أذن لي في الرحيل، فاثبتوا على كلامي فتعقلون ما أقول بعد انقضاء سنين عينها، وذكر عددها، فلا تبرحوا حتى آتيكم بعد هذه المدّة، وإن برحتم فلتسرعوا إلى هذا المجلس الكرّة، وإن لطف مغناه وغلب على الحرف معناه، فالحقيقة الحقيقة والطريقة الطريقة، فقد اشتركت الجنة والدنيا في اللبن والبناء، وإن كانت الواحدة من طين وتبن والأخرى من عسجد ولجين، هذا ما كان من وصيته لبنيه وهذه مسئلة عظيمة رمزها وراح فمن عرفها استراح.
ولقد دخلت يوماً بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد، وكان يرغب في لقائي لما سمع وبلغه ما فتح الله به علي في خلوتي، فكان يظهر التعجب مما سمع، فبعثني والدي إليه في حاجة قصداً منه حتى يجتمع بي، فإنه كان من أصدقائه وأنا صبي ما بقل وجهي ولا طر شاربي (لم ينبت الشعر في وجهه بعد أي أن عمره ما بين 14 و 18 سنة) فعندما دخلت عليه قام من مكانه إليّ محبة وإعظاماً فعانقني وقال لي: نعم؟ قلت له: نعم. فزاد فرحه بي لفهمي عنه، ثم إني استشعرت بما أفرحه من ذلك فقلت له: لا. فانقبض وتغير لونه وشك فيما عنده، وقال: كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهيّ هل هو ما أعطاه لنا النظر؟ قلت له: نعم، لا، وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادّها والأعناق من أجسادها، فاصفرّ لونه وأخذه الأفكل (الرعشة) وقعد يحوقل (يقول: لا حولة ولا قوة الاّ بالله) وعرف ما أشرت به إليه وهو عين هذه المسئلة التي ذكرها هذا القطب الإمام أعني مداوي الكلوم، وطلب بعد ذلك من أبي الاجتماع بنا ليعرض ما عنده علينا هل هو يوافق أو يخالف، فإنه كان من أرباب الفكر والنظر العقلي، فشكر الله تعالى، فقد كان في زمان رأى فيه من دخل خلوته جاهلاً وخرج مثل هذا الخروج من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة، وقال: هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أرباباً، فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغالق أبوابها، والحمد لله الذي خصني برؤيته، ثم أردت الاجتماع به مرة ثانية فأقيم لي رحمه الله في الواقعة (المنام) في صورة ضرب بيني وبينه فيها حجاب رقيق أنظر إليه منه ولا يبصرني ولا يعرف مكاني وقد شغل بنفسه عني، فقلت إنه غير مراد لما نحن عليه، فما اجتمعت به حتى درج وذلك سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمدينة مراكش، ونقل إلى قرطبة وبها قبره ولما جعل التابوت الذي فيه جسده على الدابة جعلت تواليفه (مؤلفاته) في الجانب الآخر مقابلة له، وفي هذا قلت:
هذا الإمام وهذه أعماله ... يا ليت شعري هل أتت آماله